يحكى أن أحد الحكماء خرج مع ابنه خارج المدينة ليعرفه على تجارب وحكمة الحياة، في جو نقي بعيدًا عن صخب المدينة وضوضائها..
سلك الاثنان واديًا عميقًا.. وخلال سيرهما تعثر الطفل في مشيته وسقط على الأرض، فصرخ "صرخة عالية"!! فإذا به يسمع من أقصى الوادي نفس "الصرخة العالية"!!
نسي الطفل الألم، وسأل مصدر الصوت: "ومن أنت؟؟" فإذا بنفس الصوت يرد عليه: "ومن أنت؟؟" انزعج الطفل من هذا التحدي بالسؤال، فرد عليه مؤكدًا: "بل أنا أسألك من أنت؟".
ومرة أخرى لايكون الرد إلا بنفس الجفاء والحدة: "بل أنا أسألك من أنت؟"، فقد الطفل صوابه.. فصاح غاضبًا: "أنت جبان!!"، وبنفس القوة يجيء الرد: "أنت جبان!!".
أدرك الصغير عندها أنه بحاجة لأن يتعلم درسًا جديدًا من أبيه، الذي وقف بجانبه دون أن يتدخل!!
انسحب الابن من المشهد، وترك المجال لأبيه لإدارة الموقف، وأخذ الطفل ينصت ليتعلم الدرس!! تعامل الأب بحكمة مع الحدث، وطلب من ولده أن ينتبه للجواب هذه المرة!!
صاح الأب في الوادي: "إني أحترمك!!"، وكان الجواب بنفس نغمة الوقار: "إني أحترمك!!".
تعجب الابن من تغير لهجة المجيب.. لكن الأب أكمل المساجلة قائلا: "كم أنت رائع!!"، فلم يقل الرد عن تلك العبارة الراقية: "كم أنت رائع!!".
ذهل الطفل مما سمع، ولكن لم يفهم سر التحول في الجواب؟! ولذا صمت بعمق لينتظر تفسيرًا من أبيه لهذه التجربة!!
علق الحكيم على الواقعة بهذه الحكمة: نحن نسمي هذه الظاهرة الطبيعية يا بني في عالم الفيزياء بـ(صدى الصوت)، لكنها في الواقع هي الحياة بعينها!!
وتابع الأب، إن الحياة لا تعطيك إلا بقدر ما تعطيها، ولا تحرمك إلا بمقدار ما تحرم نفسك منها!! الحياة مرآة أعمالك، وصدى أقوالك، فإذا أردت أن يحبك أحد فأحب غيرك!!
وإذا أردت أن يسترك أحد فاستر غيرك!! وإذا أردت الناس أن يساعدوك فساعد غيرك!! وإذا أردت الناس أن يستمعوا إليك فاستمع إليهم أولا!! لا تتوقع من الناس أن يصبروا عليك إلا إذا صبرت أنت عليهم!! هذا ناموس الكون الذي تجده في جميع مناحي الحياة إنه صدى الحياة!!
وقال "صلى الله عليه وسلم": البر لا يبلى والإثم لا ينسى والديان لا ينام فكن كما شئت كما تدين تدان". أخرجه أبو نعيم وابن عدي والديلمي عن ابن عمر.
وقال تعالى: "فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ"(الصف:5).
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي "صلى الله عليه وسلم" قال: (من نفس عن مؤمن كربة نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)، الحديث رواه أحمد ومسلم عن أبي هريرة.
تعليقات
إرسال تعليق